ثقافة الرد على الجوّال في واقعنا |
أ . د / صالح بن علي أبو عرَّاد |
وعلى الرغم من ذلك كله ، فإن هناك تساؤلاً طالما خطر ببالي وإن كنت لم أجد له إلى الآن إجابةً شافيةً وافية ، وهو تساؤلٌ يقول : هل من الضروري أن يرد الإنسان على جواله كُلما سمع رنين جرسه ؟! أطرح هذين التساؤلين على كل ذي عقلٍ رشيدٍ وفهمٍ سديد ، وأنا في عجبٍ شديدٍ من بعض أفراد المجتمع اللذين ما أن يسمع أحدهم جرس أو نغمة هاتفه الجوّال حتى يُسارع إلى تشغيله ، ويشرع في الرد المباشر على تلك المكالمة بكل اندفاعٍ ، ودون مُبالاةٍ بمن حوله من الناس ، ودون مراعاةٍ للظرف الزماني أو المكاني الذي يكون فيه ، سواءً أكان ذلك في جامعٍ ، أو اجتماعٍ ، أو مـجلسٍ ، أو مكتبةٍ ، أو سوقٍ ، أو بين مجموعةٍ من الناس في سيارة ، أو طائرة ، أو غير ذلك من الأماكن التي نعلم تماماً أن الإنسان السوي لا يُمكن أن يعدُها أماكن مناسبةٍ لحرية الرد على الجوال ، أو التبسُط في الحديث مع الطرف الآخر أياً كان ، يُضاف إلى ذلك ما قد يترتب على هذا التصرف من إذهابٍ لهيبة المكان ، أو التشويش على من فيه ، وربما إيذاء الآخرين ، أو قطع انصاتهم ، أو تكدير مجلسهم ، ونحو ذلك من المآخذ . ومن وجهة نظري فإن المشكلة لا تكمن في مجرد الرد بذاته ؛ فقد يكون الرد أمراً لازماً وتدعو إليه الضرورة ، وفي مثل هذه الحال فلا بأس أن يكون رداً موجزاً ومختصراً قدر الإمكان ، وبصوتٍ منخفضٍ لا يلفت النظر ، والأفضل أن يكون الرد من خلال رسالةٍ تفي بالغرض ، ولكن المشكلة تبرز عندما نسمع ونرى أن الرد في معظم تلك النوعية من الاتصالات ليس ضرورياً ولا لازماً ، ومع ذلك فإن الكيفية التي يتم بها ذلك الرد تأتي بشكلٍ مزعجٍ للحاضرين ، وطريقةٍ غير مقبولة ، وبخاصةٍ عندما يكون صاحب الجوّال ممن يرفع صوته أثناء إجراء المكالمة ، أو ممن لا يكاد يسمع صوت المتحدث فيكون ذلك الرد مزعجاً جداً لمن حوله ، وتحصل الطامة الكبرى عندما يكون ممن اعتاد الخوض في تفاصيل ( خاصة ) لا داعي للحديث عنها على رؤوس الأشهاد ، إلى غير ذلك من الصور المؤسفة التي نراها ونسمعها في حالاتٍ كثيرةٍ ، يُضاف إلى ذلك أن هناك من قد تكون محادثته تلك وجهازه على وضع إظهار الصوت أو ما يُسمى ( المُكبِّر ) فيكون صوت المرسل والمستقبل مسموعاً لكل الموجودين . وهنا أقول لمن يسمع نغمة جواله في مكان عامٍ أو في مكان لا يُمكنه الرد فيه بحريةٍ وارتياح : تريث – بارك الله فيك – وأغلق جرس الجوال ، وأجِّل تلك المكالمة حتى تخلو بنفسك ، أو تجد أنك في حالٍ أو وضعٍ يسمح لك بالرد على تلك المكالمة ، فليس من اللائق أن تتحدث في شؤونٍ خاصةٍ فيسمعك من هم حولك من الناس ، كما أنه ليس من اللائق أن تُسمع من هم حولك تفاصيل تلك المكالمة التي لا دخل لهم فيها ولا ناقة ولا جمل ، وإن كنت مضطراً إلى الرد ؛ فليكن باختصارٍ شديدٍ ، ودونما رفعٍ للصوت ، والأفضل أن تُغادر المكان الذي أنت فيه للرد ، ثم تعود بعد ذلك ؛ ولا تنس أن هناك ما يُمكن أن يُسمى بثقافة الرد على الجوال ، وعلى كل فردٍ منّا أن يُلم بتلك الثقافة ، وأن يعرف أبجدياتها كحدٍ أدنى حتى لا يُعرض نفسه لبعض المواقف الحرجة أو المؤسفة . |